تعتبر تربة البايات اهم الترب الخاصة بالبلاد التونسية و هذا من
حيث مساحتها و عدد القبور فيها و كذلك من حيث ثراؤها المعماري و موقعها المتميز .
و توجد تربة البايات بالنهج الذي كان يعرف بنهج صباط العجم ثم
اتخذ اسمه من التربة نظرا لاهميتها و اصبح يعرف بنهج تربة الباي . و هو يعد منذ
القرن18 من الممرات الرئسية للعاصمة اذا كان يمثل احد المحورين الاساسين للمدينة . فهو
يعتبر من بين الاقسام الاساسية الرابطة بين الربض الشمالي باب سويقة و الربض
الجنوبي باب الجزيرة . و أمر علي باشا ببناء
قبر ملكي لعائلته في
أكتوبر 1771 حيث أن الباشا أعطى امر بذلك من خلال تخصيص حبوس له
و قد استقرّ
الأمر في البيت الحسيني أن تكون التقاليد الجنائزيّة
على النحو التالي
إذا ما توفي
الملك فإنه لا يمكن صدور الاذن بدفنه الا إثر مبايعة ولي العهد بالملك. و ذلك أن
تقاليد العائلة الحسينيّة تقتضي أن لا يدفن الملك إلاّ ملك مثله. فإذا ما تمّت
البيعة يأذن الملك الجديد بنقل الجثمان إلى القصر السعيد بضاحية باردو حيث يتم
تجهيزه ثم يلتحق به الملك والأمراء والأعيان بلباسهم الرسمي على أتم هيئة فيأذن
الملك بسير الموكب الجنائزي ويوضع الجثمان على نعش مخصوص وتوضع عليه الكسبات
والنياشين والشاشيّة المثبتة فيها الخبشات التي تعد شعار الملك. وقد كان المماليك
في العهد القديم يسيرون أمام النعش رافعين صكوك عتقهم وذلك تقربا إلى الله
زلفى.هذا بطبيعة الحال قبل إبطال الرق في تونس على يد المشير الأول أحمد باشا باي
سنة م1846.
يمتطي الملك الجديد وحاشيته وآل بيته عرباتهم وينتقلون رأسا إلى القصبة
ويكون وصولهم بطبيعة الحال قبل وصول الموكب الجنائزي. وقد جرت العادة أن يترجل
الملك أمام زاوية سيدي عبد الله الشريف الكائنة خارج القصبة ثم ينتقل الموكب الملكي إلى بطحاء القصبة حيث يعد
مجلس بتربة لاز ينال به الملك نصيبا من الراحة فإذا وصلت الجنازة يتقدم أعضاء
المجلس الشرعي فيصلّون صلاة الجنازة على الميت وسط بطحاء القصبة برئاسة شيخ
الاسلام الحنفي، ثمّ يأمر الملك بسير الركب وعند مستوى دار الباي يقف الملك وآله
لتقبل تعازي رجال المجلس الشرعي ووجوه الناس ويقفل راجعا من حيث أتى، على حين يرفع
الجثمان إلى مثواه الأخير بتربة الباي حيث يُدفن بالمكان المخصص له بعد أن يكون
لواء العسّة قد انتزع النياشين والأوسمة والمحزمة الذهبية والسيف والكسبات، فمنها
ما يسلم إلى الملك الجديد ومنها ما يسلم إلى ورثة الهالك.
و تمتاز تربة البايات بواجهتها الخارجية الجميلة و ذلك على عكس جل معالم تونس التي
تعرف عادة بالبساطة . لذلك تجلب هذه الواجهة الخارجية لتربة البايات نظر المارة
لطرافتها و ندرة وجود وجهات مماثلة . و تكسو الواجهة حجارة الحرش المنجدة التي
تجلب منذ قرون من منطقة الهوارية بالوطن القبلي و هي التي استعملت في في اغلب
معالم مدينة تونس على مر القرون. كما نجد في هذه الواجهة دعامات من الكذال الوردي
اللون و هو حجر كلسي استعمل بكثرة في لتاطير وجهات الابواب و النوافذ و لتبليط
الصحون و صنعت منه ايضا الاعمدة و تيجانها .
فقد اسست
التربة خلال فترة زمانية طغت عليها التأثيرات الايطالية كما توجد في الزوايا اعمدة
مرمرية سوداء اللون بينما في الزاوية الجنوبية الغربية بيضاء و هكذا حليت هذه
الواجهة بطريقة محبذة في النصف الثاني للقرن 18و
تواصلت الي حتى اوخر القرن 19.
اما باب الدخول فهو ذو مصراعين احيط باطار من الكذال ذي القوس
متجاور و بالمصرع الايمن منه خوخة لا يمكن المرور منها الا انحاء فاذا ما ولجنها
وجدت نفسك في ردهة مظلمة او شبه مظلمة لا يتسرب لها النور الا من الباب. فتلاحظ
على يمينك بابا صغيرا ذا مصرعين و اطار من الكذال يودي الي غرفة صغيرة كان يجلس
بها المقرئ في انتظار دوره لتلاوة القران . و هذه الدريبة عارية من كل زينة فيها
عدا لوحتين من الخزف الايطالي الصنع صورت به عصافير وسط اطر دائرية . و هذا الشكل
يدعى في عرف اهل الاخنصاص بالصحن . و على يسار الداخل توجد نافذة شباك حديدي اما
في مواجهة الداخل فنجد بابا كبيرا محلى بقوس و اطار من الرخام الابيض و الاسود
القائم و النايم و هو باب كبير ذو مصرعين غلف بطبقة سميكة من النحاس الاصفر على
العادة المعمول بها في ابواب الزوايا و التربات و يعد هذا الباب و واجهته اهم
بكثير من الباب الموصوف انفا و يذهب
الدكتور محمد العزيز بن عاشور الي كون الباب الثاني هو الباب الاصلي لتربة و ما
الباب الاول الخشبي سوى اضافة ادخلت عن البناية الاصلية. و نمر من الباب النحاسي
الي سقيفة اقل اتساعا من الدريبة بها ثلاث ابواب اثنان ذات اليمين و واحد ذات
الشمال و هذا الاخير باب مستطيل ذو مصرع واحد و هو مايعرف بباب بالخوخة يفضي الي
فناء جميل مربع في اروقة دائرية فرشت اريضته بالرخام الابيض تفتح به غرف من جوانبه
الثلاثة اما الجانب الرابع فقد حفرت به طاقة حائطية . و يعتبر هذا الجزء اقدم
اجزاء التربة و يلاحظ الداخل الي هذا الفناء وجود عدة قبور رخامية نقرا على
مشاهدها اسماء مثل كاهية ملوك الي غير ذلك .
و يتسم الصحن الذي تفتح عليه ثلاثة غرف ببساطته
و لولا وجود قبور بعض الوزراء به لامكن
عده وسط دار باحد منازل المدينة العتيقة . لكن بساطته هذه لا تنعكس ما يوجد داخل
أغلب الغرف التي تحتوي عليها التربة .و يتوسط الفناء عدة قبور للوزراء وخدم لدى الحسنيين
، وتُحاط به أعمدة منحوتة من رخام كرارا
وتتوج بتيجان دوريكية مزينة بخط من الأفران و مرصوف بأرضية رخامية ،
من بين الأشخاص الذين دفنوا في هذا الفناء الوزير سليمان والمملوك خير الدين باشا وحسين كاهية.
اول و اهم
غرف في تربة الباي هي قاعة دفن بايات الكرسي أي البايات التي جلسوا على العرش و
تولوا الحكم في العهد الحسيني وتسمى ايضا غرفة الباشوات و هي مقابلة لقاعة دفن
الاميرات الحسينيات .
وغرفة
الباشوات مربعة الشكل وتبلغ مساحتها 10.50
م على 10.50 م و ارتفاع الجدران يبلغ 12
متر.
و اول ما
يجلب نظرنا في غرفة الباشوات وجود الدعامات الاربع الحاملة للسقف و المتشابهة في
شكلها و نمطها. و تاخذ الدعامات مكانا ممتازا في وسط القاعة حيث تجمع بينها عقود
اربعة في شكل نصف دائرة تكون القاعدة المربعة التي تحمل القبة الوسطى
الرئيسية.
ولقد اقتبست
غرفة الباشاوات نمطها من شكل جامع السلطان احمد باسطنبول '' اما المدفونون بهذه
القاعة فهم الباشوات اي الامراء الحسينيون المتربعون على عرش البلاد لا يشاركهم في
هذا الامتياز غير الشريف سيدي حسن معتقد البيت الملوكي و كذلك ثلاثة قبور الأمراء
المامون باي و اسماعيل باي و السعيد باي و قبورها لا تختلف في شي عن قبور
الباشاوات التي هي عبارة عن توابيت رخامية مختلفة احجامها و طرق زخرفتها باختلاف
الفترة التارخية . فعلى بعضها نقوش هندسية و على اخرى نقوش نباتية و قد لاحظنا قبر
علي باي الثالث نقشا مشابها لنيشان الدم .
كما نلاحظ
اختلافا على مستوى مشاهد القبور فالى جانب النصوص الجنائزية المختلفة من شعرية
كتلك الموجودة
و من بين العناصر الاخرى التي تجلب الانتباه في هذه الغرفة وجود نمطين من الشواهد القبور .فالنمط الاول
يعلوه مثال العمامة اما النمط الثاني فيعلوه طربوش - المعروف بالشاشية المجيدية -
و لقد نتج ذلك عن لبس البايات العمامة ثم ورد فرمان سلطاني من الباب العالي يامر
بتغيير اللباس التقليدي بالزي الاوروبي و ابدال العمامة بالطربوش .و ما يوجد في
تربة البايات هو مراة لهذا التغيير الحاصل في المجتمع التونسي نتيجة اختيارات
السلطة العثمانية ''
و العنصر
الأبرز في هذا الضريح هو القبة المركزية المغطاة بالأسقف الأفقية مع الروافد المكشوفة
بكورنيش جميل.اما انصاف القباب الموجودة بالزوايا الغرفة عدادها اربعة و هي منفتحة
و نصف كروية بيضوية الشكل و مرتكزة على
نصف داعمة و مغطات بنقوشات زخرفية جصية لهاأربعة
أعمدة كبيرة عن طريق أقواس نصف دائرية.
و لقد تم تزيين الاعمدة المرتفعة لهذه الغرفة بكسوها بالرخام
الايطالي الملون اما جدران القاعة فتم كسوها
بألواح الرخامية و ألواح الرخامية
الرخام المطلية بألوان متعددة ، كما يوجد ايضا اللوحات الحجرية مزينة في
عدة أماكن من هذه الغرفة تحمل رمز و شكل النسر و موجودة بالقرب من قبر احمد باي و
قبر محمد الصادق باي. كما توجد اشكال متمثلة فالطائرين معلقين على شجرة بأوراق ا
تنبعث من مزهرية و يتوجها رمز الهلال العثماني و ملونة بالأسود وأبيض و معققة .
كما توجد زينة على الجدران متمثلة في قرن الرخاء الذي تنبثق منه عناقيد العنب .
كما يتم تكرار رسم المزهرية على كافة الجدران مع تراوح اللون الابيض و الرمادي.
اما شبابيك و نوافذ الغرف فتم تاطيرها بالرخام الايطالي. اما الاقواس و القباب
فوضع عليها نقوشات جصية بيضاء اللون.
وقد جرت العادة أن تغطى قبور الملوك بكساء من قماش
المخمل المعروف عندنا بالموبر تطرز بأسلاك الفضة وقد أبلاها الدهر ولم يبق منها
سوى واحد أو اثنين من باب الشاهد التاريخي، كما كان يوجد عند رأس كل قبر سنجق
حريري مطرز بخيوط الفضّة شد إلى صار طويل وكتبت عليه بعض الأبيات من بردة الإمام
البوصيري.
و بقي أن نشير
إلى وجود ثلاثة قبور صغيرة في غرفة الباشاوات ولم أستطع معرفة نسبهم
لعدم وجود كتابة على شواهد قبورهم، والأقرب إلى الظنّ أو واحدا منهم على الأقل
حمودة باشا الحسيني المتوفى سنة 1800م.
و تحتوي هذه الغرفة على مدافن 13 باي وجميع
القبور محاذية الي بعضهاالبعض في هذه الغرفة و كل القبور منالرخام الأبيض وتحمل
زخرفة منحوتة غنية يسيطر عليها التوريك وزخارف الأزهار الإيطالية . و تمثل شواهد
القبور المؤرخة التي تغطي أكثر من قرن ونصف من الزمن شهادة مثيرة للاهتمام لفن نحت
الرخام الجنائزي وتطوره. وفي التماثيل الخشبية المنحوتة التي رُسمت على التابوت الخاص بالولى الصالح سيدي حسن
فهو مزين باقواس من ألواح الهوابط و اللوحة المنقوش عليها شبه المنحرف في الجزء العلوي
نصبت على التابوت و تم الكتابة عليها نص جنائزي بالون الاسود مع زخارف باللون
الازرق و البرتقالي .
و ننتقل من الغرفة الباشاوات التي
تعتبرمن الغرف الرئيسية للتربة الي باقية الغرف و من اهمها الغرفة المواجهة للقاعة
الرئيسية و هيغرفة الاميرات وهي مستطيلة الشكل و تبلغ مساحتها 9.90 م على
5.30 م' و تمتاز الغرفة هي ايضا بجمالها و بثراء زخارفها فهي مغطاة بقبتين
متجاورتين محلاة كل منهما بنقوش جصية بديعة و تتخلل منهما شمسيات ذات زجاج ملون.
بينما كسيت الاقسام السفلى للجدران بمربعات الزليج متعدد الالوان و الاشكال , قسم
منها ايطالي الاصل بينما القسم الاخر مصنوع في حي القلالين بمدينة تونس . و يمكن
عد التربة متحفا فريدا من نوعه لاحتوائها على العديد من الانماط مربعات الخزف
الكاسية لجدرانها او المستعملة لتبليط ارضيتها حيث بلغ عدد انواع الخزف الموجودة
بالتربة سبعا و خمسين نمطا و الملاحظ ان لكل نمط من هذه المربعات اسما يعرف به من
نحو - نوارة او القنارية و قشرة الحوت و المعدنوسي و عفسة الصيد - كما كسيت بعض
اقسام الجدران بلوحات خزف تتمثل في اقسامها العليا في مشهد جامع من النمط التركي
الذي تعلوه قباب و تحيط به ماذن عديدة.
وللوصول
إلى الجزء الداخلي من هذه الغرفة عبر باب ذو إطار مزدوجمن الرخام الإيطاليالتي تم
تسطيرها عن طريق القوالب و زخرفتها بأزهار و الجدران مغطات بمربعات خزفية متعددة
الألوان. وهناك اثنا عشر عمودًا ، مجمعةً كل
ثلاثة منها بركن من الغرفو تدعم الأروقة المدمجة في الجدران. عن طريق المعلقات وتُتوج
الأعمدة الرخامية البيضاء بعواصم مستعارة من فن عصر النهضة والباروك و تحمل
الزخارف النباتية مثل اوراق الأقنثة والكورنثوس الجديدة مقتبسة من التمرير الأيوني
الجديد. اما الأجزاء السفلية من هذه
الغرفة مغطاة بألواح مركبة من بلاط ماجوليكا تتميز بألوان رائعة.
و تحتوي هذه
الغرفة على أربعة عشر قبر للأميرات مرتبة واحدة فوق الأخرى. و تتميز عن تلك التي
لدى الرجال ، حيث تتميز لوحاتها على شكل لوحتين رخامية مستطيلة الشكل عليها نقش
جنائزي. فمثلا قبر الأميرة جنات ابنة الباي علي يبلغ طوله القبر2.06 مترًا وعرضه
57.5 سم اما لوحة الشاهد القبري فهي مستطيلة
الشكل (53 × 41 سم) مع نقش من عشرة خطوط مخطوطة
بالخط الشرقي و تم نقشه وتطعيمه بالرصاص .
و ليس هنالك داعي للخروج من الغرفة لتنقل الي
الغرفة الاخرى و هي غرفة الاميرة فاطمة
عثمانه وهي مربعة الشكل تبلغ مساحتها 7.20 م على 7.20 م فهذه القاعة لاتحتوى على
جدران فاصلة ما بين الغرفتين . فصحيح يوجد بابين لدخول كل من جهة مختلفة و لكن ما
ان تدخل الي الغرفة تكتشف انها على شكل غرفتين غير مفصلتين بجدار . و تعتبر هذه
الغرفة هي الغرفة الثالثة في تربة الباي .
و هذه الغرفة توأمية من الغرفة السابقة ولا يوجد جدار فاصلة يفصل بينهما انهما مفتوحتان تماما لبعضهم البعض. اما شكل
هذه الغرفة فهو مربع و يحمل قبة منتفخة مغطاة من الخارج بالبلاط الأخضر ، ومبطنًا
داخليًا بالجص المنحوت والأجزاء السفلية من الجدران حتى مستوى العواصم مزينة بالكامل ببلاط خزفي مركب تونسي وإيطالي من
الأنماط والألوان متعددة. وفي هذه الغرفة هنالك
الاثني عشر عمود رخامي لدعم لأقواس التي تحمل القبة من الحجر الجيري الخفيف.
و تحتوى هذه الغرف على عديد الاضرحة التي لازلت
تحتفض بشواهدها و بالنص الجنائزي دون تشويه او نقضان مثل قبر للا حسينة خزندار و
للامامية و للا محبوبة و للامامية بنت المنعم
و الاميرة للا قمر و للا زينب .
و لأسف تم فقدان اللوحة الرخامية الاخرى لان
قبور النساء تحمل لوحتين على جانبين القبر واحدة تحمل النص و الاخرى تكون مزخرفة .
و من الزخارف الموجودة نذكر وجود زخارف نباتية في شكل مزهرية و اخرى هندسية على
شكل نجمة .
و من ثم ننتقل الي الغرفة الرابعة و هي الغرفة الوالدة جنات ام المشير أحمد باي و هي
غرفة مستطيلة الشكل تبلغ مساحتها 10.80 م على 6.60 م و أقيمت على الجانب الجنوبي
من الفناء مع الرواق وتعود إلى عهد أحمد باي وتحتوي هذه القاعة على عشرين قبر لأميرات
.و هذه الغرفة تشبه الغرفتين السابقتين من خلال الهندسة المعمارية والديكور. الا
انها مستطيلة الشكل (10.80 م × 6.60 م) ولها قبة.
اما الجدران يصل ارتفاعها إلى حوالي 3 أمتار مغطاة ببلاط خزفي متعدد
الألوان مستورد من أوروبا من نوع الكالرو بعرض 20 سم و تحتوي هذه الغرفة على ضريح
للا جنات ولدة احمد باي
والغرفة مخصّصة لدفن النساء من أميرات البيت الحسيني اذ أن العادة اقتضت أن لكل
واحد من الجنسين مكانا خاصا للدفن. والقبور المنتشرة في هذه الغرفة رخامية ترتفع
عن الأرض بنحو سبعين سنتمترا على شكل توابيت زخرف بعضها بأشكال نباتية. ويبدو أن
السبب في عدم وضع نص على بعض تلك القبور هو ما كانت تقتضيه التقاليد التونسيّة
القديمة من حجب اسم المرأة لاعتباره عورة. والمشهور أن والدة المشير الأول أحمد
باشا باي دفنت بهذه الغرفة.
و ننتقل
من الفناء الاول الي الفناء الثاني الذي تم اضافته الي تربة الباي بعد فترة من
الزمن لان التربة الاولى امتلت بالقبور و لم يعد هناك مكان لدفن ال حسين في التربة
. و يحتوى الفناء الثاني على الغرف رقم 5 و 6 و 7 و 8من مجمع الجنائزي. و يمكن
الوصول إلى الجزء الداخلي من هذا الفناء ، من الرواق الذي يوجد في الفناء الأول من خلال باب يوجدفي يمين المدخل الرئيسي. و تبلغ
مساحة الفناء (7.20 م × 9.40 م) و هي على
شكل مستطيل مفتوح تمامًا للسماء. تصطف
الأجزاء السفلية من الجدران المحيطة بالفناء ببلاط خزفي و الارضية مغطاة بالرخام مثل
أرضية الفناء مع الاول. و يحتوى الفناء على قبرين للوزيرين إسماعيل خان (توفي 1280/1864) و الوزير مصطفى خزندار
(توفي 1295/1878).
و يضم الجانب
الغربي للفناء الثاني الغرفة رقم خمسة و هي غرفة الاميرة زليخة بنت حسين باي
الثانيوهي مغطاة بقبة كبيرة و تزخر هذه القاعة بتصميم داخلي وديكور غنيً جدا .فالجزء السفلي من الجدران محاطة
بالكامل ببلاط خزفي متعدد الألوان مستورد
من أوروبا. في حين أن الجزء العلوي من
الجدران ومنطقة القواس مغطاة بالكامل بالجص
المنحوت و محفور بدقة. و تحتوي على سلسلة
من نوافذ البلورية الجميلة الملونة. وتضم
هذه الغرفة أربعة عشر ضريحا للأميرات. و تحتوي على قبر خديجة ابنة محمد بن إسماعيل
و من
هذه الغرفة ننتقل الي الغرفة رقم ستة و هي غرفة الأمراء وكبار الوزراء، وتفتح على الجانب
الجنوبي عبر قبو بيضاوي مغطى بطبقة منحوتة
وتصطف الأجزاء السفلية من الجدران مع بلاط خزفي متعدد الألوان. ولهذه الغرفة سلسلة
من النوافذ الطويلة وتؤوي مقابر أربعة وعشرين من الأمراء ، وكذلك مقابر أربعة
رؤساء وزراء هم محمد العزيز أبو عتيرو محمد الجليلي و يوسف جعيات ومصطفى دانغزلو. وأقدم
مندفن في الغرفة هو الأمير محمد المأمون الذي توفي عام 1278/1861. واكتملت هذه الغرفة ببعض الملحقات التي تشكل
ثلاث غرف مقببة صغيرة مرتبة في الجانب الجنوبي الغربي من الضريح. و تضم هذه الغرفة ضريح الأمير الوليد بن حسين باي
و منها
ننتقل على الغرفة عدد سبعة و هي غرفة محمد الهادي باي و اميراته . تمت اضافة هذه
الغرفة في عهد محمد الصادق باي بعد سنتين من انشاء تربة الباي و اول اميرة دفنت
بها هي ابنت الحسين الثاني و مميزات الغرفة انها تفتح على الجانب الشرقي للفناء و
مستطيلة الشكل تبلغ 12.25 على 7.25 متر و لها قبة رائعة بيضاوية الشكل و كل القبور في هذه الغرفة
رخامية مزخرفة بمزهريات نباتية .
و من ثم
ننتقل الي غرفة عدد ثمانية و هي غرفة
الاميرة كلثوم و هي تحتل الركن الجنوبي الشرقي من التربة، وتتسع هذه الغرفة لتسعة عشرة قبور لاميرات البيت الحسيني و تتميزالغرفة بقبة
بيضاوية كبيرة العارية من أي زخرفة و
لعل القاعة التي دفنت فبها الاميرة كلثوم ابنت مصطفى باي و زوجة الوزير الاكبر
مصطفى خزنة دار من اكثر القاعات تميزا هذه هي الغرفة الأخيرة التي تم بناءها في
هذا المجمع الجنائزي , و تحتل القاعة الزاوية الجنوبية الشرقية من التربة ، وتضم هذه
الغرفة 19 قبراً نسائياً. و الغرفة ذات مظهر شديد يتميز بقبة بيضاوية كبيرة جردت من
أي زخرفة ونجد هذا الوضع من التغطية في الصروح الدينية الأخرى فيمدينة تونس كزاوية سيدي محرز.
و تحتوي
تربة الباي على 167 ضريح لبايات الكرسي و لأميرات الحسينيات و لكبار حاشية البيت
الحسيني . تم دفن 14 باي حسيني ما عدا الباي الاول حسين بن علي و ابنه الباي
الثالث محمد رشيد الذي دفنا بتربة سيدي قاسم الصباصطي اما الباي الثاني علي باشا
الاول دفن بالتربة الباشية . كما لم يدفن مصطفى باي بالتربة بل دفن في مقبرة الجلاز
و دفن اخر البايات الامين باي بمقبرة المرسى.
فقد مرت
الدولة الحسينية بعدة فترات حساسة في البلاد التونسية تارة تشهد صراعات و تارة
تعود الي هدوء و لعل فترات الاستقرار ساعدة على تشيد المعالم و ارساء التعليم و
الثقافة و الاهتمام بالعلم و الادب لذلك نجد مدينة تونس العتيقة ككنز معماري جميل
في كل ركن من كل '' زنقة '' تشمل عبق التاريخ و في كل حائط تلاحظ الزخارف و النقوش
و يجبك جمال قببها الخضراء و ابوابها المنقوشة الملونة .
و لاسف
الشديد هنالك اهمال و لا مبالاة بهذا الكنز العظيم فعمليات الترميم بطئية و يمنع الزوار و
السياح من الدخول اليه و هذا ما يضر بالمدينة العتيقة و يفقدها بريقها و لمعانها .