لقد شجع الكثير من دايات و بايات القرنين السابع عشر والثامن عشر العلوم و الفنون و الصناعات و شيدوا مثل سلاطين اسطنبول الجوامع و المدارس و الاسواق و الحمامات. ويتجلى من خلال منجزاتهم المعمارية امتزاج التأثيرات المحلية و الأندلسية بعناصر اخرى وافدة من المشرق أو من أوروبا. و خلال هذا العصر صارت تونس مدينة من جديد أهم الحواضر المغرب العربي الاسلامي و اصبحت مركز اشعاع على الاقطار المجاورة تفخر بالكثير من الانجازات الفنية الراقية
لقد انقسمت العمارة الى 3 اقسام
العمارة الدينية
انشئت خلال العهد العثماني في الايالة التونسية عدة معالم دينية و ذات طابع روحاني و خاصة بمدينة تونس نذكر منها الجوامع الحنفية التي تتميز بعمارتها الفريدة و الزوايا و المدارس بالاضافة الي الترب
الجوامع
و من خصائص العمارة التركية المتواجدة في تونس أنها تتمثل في عدة عناصر في داخل البناء الواحد فمثلا نجد الجامع يحتوي على تربة و ملاصق لزاوية و يشمل على مدرسة و دكاكين و يفتح على سوق مثل معلم جامع الوزير يوسف صاحب الطابع
و هو آخر معلم ديني ضخم يشيد بمدينة تونس قبل الاستعمار الفرنسي . شيده الوزير ذو الشخصية القوية يوسف صاحب الطابع فيما بين سنتي 1808 و 1814م و قام بإنجاز هذا المعلم أمين البناء ساسي بن فريجة . يشرف هذا الجامع بمنارته الرشيقة الرائعة و بقبابه العديدة على حي الحلفاوين و على كامل الربض الجوفي للمدينة
ويمثل جامع
يوسف صاحب الطابع وحدة معمارية اساسية ضمن مجمع معماري متكامل يشتمل بالإضافة إلي المسجد على مدرستين و تربتين وكالة و حمام و سبيلين وعشرات الحوانيت والمخازن التي تفتح على الساحات و الشوارع القريبة هذا بالإضافة الي سوق مغطاة
مغلقة ببابين تعد ثلاثة و خمسين حانوتا. و يقابل قصر الوزير المجمع المعماري و يشرف عليه هو الآخر على بطحاء الحلفاوين
كما تم اضافة عناصر معمارية جديدة في الجوامع الحنفية لم تكن تعرفها جوامع مدينة تونس المالكية مثل عنصر الخوجة و الماذنة الاسطوانية الشكل و المثمنة التي يعلوها ثلاث كريات نحاسية و نجمة و هلال و عنصر الختمة و المحفل
الزوايا
بالإضافة إلى الجوامع الحنفية انتشرت الزوايا . ولقد كانت مدينة تونس وحدها تعد في منتصف القرن الثامن عشر 92 زاوية و من اشهر هذه الزوايا زاوية سيّدي إبراهيم الرياحي زاوية سيّدي الأنصاري زاوية سيدي محرز زاوية سيّدي البشير الشريف و زاوية أبي زمعة البلوي . و تعتبر زاوية ابراهيم الرياحي من اجمل الزوايا في مدينة تونس فقد شيدت الزاوية حول قبر إبراهيم الرياحي، بأمر من أحمد باي لتكون مقرا للطريقة التيجانية و كان إبراهيم الرياحي هو الذي أتى بهذه الطريقة إلى تونس عند عودته من المغرب حيث كلفه العاهل الحسيني حمودة باشا بمهمة لدى السلطان المغربي تتميز الزاوية بمدخل مصمم على شكل سقيفة يودي الى باحة مغطاة كليا بالرخام الايطالي ، انطلاقا من الأرضية ومرورا بأطر الأبواب و النوافذ وانتهاء إلى الأعمدة ذات التيجان بأشكالها الحلزونية الأيونية الطابع والحاملة لأقواس الرواقين المتقابلين. وتتوزع الغرف حول الفناء لاستقبال الزوار الوافدين على الزاوية للصلاة كما توجد كذلك ميضأة مفتوحة للجميع
المدارس
و تعتبر المدارس ايضا من ضمن العمارة الدينية في العهد العثماني فحيث كانت مخصصة لتدريس القران و علوم الشريعة و اصول الفقه و من ضمن هذه المدراس نجد مدرسة النخلة المدرسة السليمانية مدرسة الباشية و مدرسة بئر الحجارة و المدرسة المرادية التي تتميز بخصائص معمارية متداخلة بين اوربية و حفصيه و عثمانية و هي اول مدرسة يتم بنائها في العهد المرادي . توجد المدرسة المرادية على حافة سوق الأقمشة المقابل لجامع الزيتونة ، ونصل إلى داخل المبنى بواسطة بوابة ذات إطار مزدوج من الحجر الجيري الفاتح والحجر الرملي. و المدخل الزاوية مقسم إلى دهليزين ، الأولى مغطاة بسقف خشبي مع إطار مكشوف والثاني بقبو برميلي يتيح الدخول إلى ساحة مربعة مرصوفة بالحجر الجيري. وترتكز الأقواس النصف الدائرية المقوسة على أعمدة مقطوعة من الحجر الجيري وتعلوها تيجان كبيرة، وهي مغطاة بسقف أفقي مع روافد مكشوفة. حول هذا الفناء موزعة على ثلاث جهات وعدد قليل من الغرف التي تضم الطلاب هنالك قاعة الصلاة تحتل الجانب الرابع الذي يواجه المدخل. . بالقرب من الزاوية الجنوبية الشرقية من هذا الفناء نفسه ، يوجد باب يفضي الي فناء صغير تحده غرفة الوضوء. تتميز الغرف بأبواب صغيرة مستقيمة ، بينما يتميز المسجد بمدخل منحني ذو حجر أساس بلونين مدرجين في إطار رخامي
و غرفة الصلاة التي تقدم خطة مستطيلة مقسمة بواسطة صفين من الأعمدة في ثلاثة فترات.و جدار القبلة في هذه الغرفة مغطى بغطاء من بلاط خزف ونلاحظ ان البلاط من نوع قلالة و اخر مستورد من أوروبا
هذا و قد انتشرت ايضا الطرق الصوفية و الاوقاف و التكايا وبيوت الوكالة و السبل و السقايات و الخانات
العمارة المدنية
و قد تواصل خلال العصر العثماني في مدينة تونس تشييد المباني و العمارة ذات الطابع التركي و نذكر من بينها
الاسواق
و من اشهر اسواق مدينة تونس الذي تم تشيدها في الفترة العثمانية سوق الباي سوق البلاغجية سوق القصبة و سوق السراجين و غيرها .و يعد سوق البركة من اشهر الاسواق نظرا لقصته فقد أقيم في العهد يوسف داي و كان سوقا للعبيد و يعرف بسوق النخاسة وقد حافظ السوق على تجارة العبيد إلى أن ألغى أحمد باشا باي الرق عام 1846م. فتحول إلى سوق لتجارة الذهب والمجوهرات. و ايضا سوق القرانة الشهير الذي يرتبط بوجود اليهود في مدينة تونس في ذلك الوقت. و تم تسميت السوق بهذا الاسم نسبة إلى يهود القرانة، الذين اطردوا من إسبانيا و البرتغال. و استقروا في مرحلة أولى في إيطاليا في مدينة قرنة ليفورنو ثم هاجروا تونس في القرن السابع عشر ميلادي فسكنوا بحي "الحارة" وتعاطوا التجارة بسوق القرانة
القصور و الديار
تتميز مدينة تونس العتيقة بوجود العديد من الديار و القصور التي كانت على ملك بايات و حكام العهد العثماني نذكر منها دار الاصرم دار عثمان دار باش حابنه قصر الوزير خير الدين باشا دار رمضان باي دار بن عبدالله و دار حمودة باشا و دار بن عياد
و قد تم بناء دار الصرم بامر من حمّودة باشا لصرم رئيس حرس الزّواوة . و يتكون هذا المنزل، على غرار معظم قصور مدينة تونس، من أجزاء عدة: منزل رئيسي كانت تقيم به العائلة، ويحتوي على بهو تحيط به مجموعة من الشّقق، طابق علوي مخصص للضيوف، مسكن ثانوي وعدد من المخازن تضم إسطبلات ومستودعات. تتميز هذه البناية بزخرفة فاخرة تشمل نقشا على الجبس والخزف والمرمر، مستوحى من الأنماط الهندسية الأندلسية، العثمانية والإيطالية
اما دار بن عياد فقد تميزت بأنها أحد معالم المدينة العتيقة بتونس، والتي أنشأت في أواخر القرن 18 على يد القائد رجب بن عياد ، قرب تربة الباي بنهج بن عياد بباب الجديد وسوق الصباغين، بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة. ويتميز القصر بطابعه المعماري المميز الذي يجمع بين التركيبة التقليدية والنمط الإيطالي، والتي تتوضح جاليّا في الرخام الأبيض والسقوف الخشبية المطلية والخزف الإيطالي
كما ينقسم القصر إلى 4 أقسام ، حيث يحتوي القسم الأول على العديد من الشقق والأجزاء المشتركة والحدائق الداخلية ومخازن العولة والأجنحة السكنية ومستودعات ضخمة، ودهاليز واسعة (دريبة)، وطاحونة زيتية، وطابق للمضيفين (سرايا) وبعض قاعات الاستقبال الكبيرة مفصولة بقاعة جميلة. ويشمل القسم الثاني، لوجيا كبيرو حديقة وغرفة استراحة و ثلاثة أجنحة وفناء، فيما يحتوي القسم الثالث، على البيت الرئيسي طابق للمضيفين والمخابز والاسطبلات، ويحتوي الرابع وهو عبارة عن طابق أرضي وطابق علوي، و طابق للضيوف والمخازن.
وشهد القصر عدة توسيعات وتحسينات على يد العديد من أفراد أسرة بن عياد، على غرار أخاه القائد حميدة بن عياد والسفير والمستشار محمد بن عياد وابنه، القائد عبد الرحمن بن عايض، بمساعدة راشد الشاكر صاحب الطابع، الذي شغل منصب الوزير الرئيسي في عهد الحسين الثاني بن محمود
الحمامات
تعج المدينة العتيقة بتونس بالعشرات من الحمامات بعضها يعود للعهد الحفصي و بعضها للعهد العثماني . و من الحمامات العثمانية نذكر حمام الذهب حمام الرميمي حمام يوسف صاحب الطابع حمام القشاشين و حمام الدولاتلي حمام المر و لعل من أشهرها حمام الصباغين '' بناه حسين بن علي خلال السنوات الاخيرة من العشرية الثالثة من القرن الثامن عشر و حبسه على الجامع الجديد القريب من المكان . و هو من اهم حمامات الحي و لا يزال قائما الي اليوم و يفتح على نهج الصباغين
و للاسف اندثر حمام يوسف داي الذي وجد قرب سوق الجرابة و حمام عثمان داي الذي تم هدمه من قبل الباي حسين بن علي
العمارة الدفاعية
خلال هذا العهد تعرّضت العاصمة مرارا للقصف المدفعيّة الأوروبية والحملات العسكر الجزائري. لذلك نجد أهمّ المنشآت الدّفاعيّة بتونس وميناء حلق الوادي، فقد رمم البايات أسوار العاصمة وجددوا أبوابها وأنشأوا الأبراج حولها
ساهم العثمانيون في دعم النظام الدفاعي للولايات التابعة لهم في شمال افريقيا وتحديثه وذلك لأنّ الهجمات المتكرّرة للقوى الأوروبية على سواحل هذه الأقاليم دفعتهم إلى تعزيز التّحصينات فبنوا الأسوار حول المدن وهيئوا الموانئ الحربية وشيّدوا الحصون والأبراج. كما أنّ تطوّر المدفعيّة والأسلحة النارية الخفيفة دفعهم إلى استنباط تقنيات بناء تتلاءم مع هذه الأنواع الجديدة من الأسلحة. من ذلك تعويض الأسوار الحجرية العالية بالحصون القصيرة ذات الجدران العريضة المبنية بالطابية. وتهيئة فتحات معدّة للمدفعية فوق المماشي التي تعلو الأسوار والحصون
ولفهم النظام الدفاعي الذي عرفته البلاد خلال العهد العثماني نستعرض المنشآت العسكرية الرئيسية التي يقوم عليها
الأسوار
خلال هذا العهد كانت جل مدن الإيالة مغلقة، أي أنها كانت محصنة و محاطة بالأسوار، على أن الأتراك غالبا ما اكتفوا بتجديد الأسوار القديمة وأضافوا لها الأبواب ودعمها بالأبراج.و في بداية العهد العثماني كانت بعض هذه الأسوار مدعومة بالخنادق، على أن هذا العنصر الدفاعي سرعان ما تمّ التّخلي عنه. واعتمدت الأبراج والطبخانات في تعزيز الدور الدفاعي للأسوار. كما استعملت الطابية أي التراب المرصوص في بناء الأسوار خلال هذا العهد، وفي بعض الحالات تستعمل الحجارة فقط في بناء واجهة الأسوار وأبراجها الترابية لتقوية صمودها إزاء العوامل الطبيعية، وهذا ما لاحظناه في أجزاء من أسوار مدينة تونس التي تعود إلى عهد حمودة باشا
القصبات
تمثل القصبات أهمّ أقطاب النّظام الدّفاعي الذي نجده في البلاد التونسية خلال هذا العهد. وهي أحيانا عبارة عن مدن محصنة بكل وسائل المقاومة وتحتلّ موقعا استراتيجيا ييسر مهمة الدّفاع عنها، وهي التي تؤوي الحاكم أو من يمثله وتتمركز بها وحدات من الجيش. و تغطي قصبة تونس مساحة ثمانية هكتارات وقد قام القادة الأتراك الأوائل، ، بتجديد أسوار القصبة الحفصية واتخذت مركزا للحكم الجديد إلى عهد المراديين الذين تحولوا منها إلى قصر باردو. وتواصل ترميم القصبة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر
القشلات
منذ فترة مبكرة أحدث الأتراك داخل العاصمة شبكة من القشلات لإيواء الجند و تحصي وثيقة حبس القشلات المؤرخة في أوت سنة 1795م تسع عشرة قشلة. و من اشهر قشلات مدينة تونس نذكر قشلة سيدي المرجاني و قشلة العطارين.وتتميّز عمارة قشلات مدينة تونس بالبساطة فهي مبان نفعيّة تقلّ فيها الزخرفة ومظاهر الترف. ولها مخطط تقليدي يشبه مخططات الفنادق أو الدور، إذ يصل المرء بعد المرور بسقيفة داخل صحن تحيط به على طابقين البيوت وعديد الملاحق منها المسجد والمطبخة والمخازن وغيرها. تتقدّم البيوت والملاحق على طابقين أروقة تنتصب على أعمدة منحوتة في حجر الكذّال تعلوها التيجان. وتمثل قشلة العطارين نموذجا لهذا الصنف من المباني
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire