مرت تونس بالعديد من الفترات التاريخية فتميزت كل فترة منها بقدوم ممثلين لحضارات مختلفة، وهكذا تنوعت مصادر التأثيرات السياسية و العسكرية و أشكال نظام الحكم . فمثلا في عهد الاحتلال العثماني لتونس انقسمت الفترات لثلاثة عهود
عهد الباشوات
و الباشا هو الممثل الرسمي للسلطان العثماني على رأس الإيالة، يتم تعيين الباشا من طرف الباب العالي لمدة 3 سنوات، وقد أسندت إليه مهمة دفع رواتب جنود الإنكشارية وإدارة شؤون البلاد ويتم تسخير خمسة مستشارين للباشا وهم
وكيل الحرج : أمين مال الحرب والبحرية
الخزندار : مسوول عن خزينة الدولة
خوجة الخيل : مدير الحرس وأملاك الدولة
الأغا : القائد الأعلى لميليشيات الانكشارية والمستشار في الشؤون الخارجية
البيت المالي : المكلف بإدارة الأحباس والاملاك العمومية
عهد الدايات
في سنة 1590 م نفّذ الدايات وهم ضباط الصغار انقلابا عسكريا ضدّ الضباط الكبار الباشا وأعضاء الديوان وافتكوا منهم الحكم، وفشل الدايات في فرض حكمهم العسكري الجماعي، وكان عثمان داي هو أوّل داي ينفرد بالحكم، حيث نجح في السيطرة على البلاد ونشر الأمن والازدهار، شجّع القرصنة ضد المسيحيين الأوروبيين وجمع منها أموالا طائلة، وشجّع توافد الأندلسيين إلى أفريقية.و لكن مع انفرد مراد كورسو بقيادة المحلة العسكرية المكلفة بجمع الضرائب وجمع أموالا طائلة ووطد علاقاته بالأهالي فوظّف منصبه كقائد للمحلة وأمواله الطائلة و ذكاءه وتحالف مع الأهالي وأقحمهم في محلته عسكر زواوة ، ليكتسب تدريجيا نفوذا على حساب
الدايات و ليقوم بالانقلاب عليهم و يضع حد لفترة حكم الدايات
عهد البايات
و ينقسم عهد البايات إلى فترتين
العهد المرادي
انطلق العهد المرادي على يد مراد كوروسو و هو من أصول كورسيكية نسبة إلى جزيرة كورسيكا وهو أول من تولى قيادة المحلة ذلك الجهاز الجبائي والعسكري الموروث عن الحفصيين يجمع ضرائب مفروضة على دواخل البلاد. وقد تمكن كورسو من قيادة المحلة خلال عشرينات القرن السابع عشر وقام بتوريثها لابنه الوحيد محمد بن مراد باي المعروف بحمودة مكتفيا بمنصب الباشا الذي جد في طلبه من الباب العالي وتحصل عليه سنة 1631 م
سلك المراديين سياسة ملكية تقوم على الوراثة و أعادت الحياة للتقاليد السياسية الحفصية فقد توارثوا خطة قيادة المحلة واعتمدوا على مداخيل الجباية و انفتحوا على رؤساء التجمعات الداخلية ومتنوا روابطهم المصلحية بهم وتحالفوا مع عدة قبائل ذات تقاليد عريقة في الخدمة المخزنية مثل قبيلة دريد وذلك لاخضاع القبائل الخارجة عن سلطة الدولة
و لكن سرعان ما شهد النظام المرادي خلال الربع الأخير من القرن السابع عشر أزمة حادة تضافرت على تعميقها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية نذكر من بينها تراجع المبادلات وتدني الإنتاج وظهور المجاعات والأوبئة من 1676م- 1689 م واندلاع الصراعات الداخلية التي أججها تنافس الأخوين محمد وعلي إبني مراد الثاني للانفراد بالحكم وقد تسببت تلك الأزمة الحادة في أعلى هرم السلطة في تدخل إنكشارية الجزائر. و في ثلاث مناسبات وذلك خلال أقل من عقدين واستفحلت الفوضى نتيجة لسياسة الباي مراد الثالث وقد إستغل أغا الصبايحية داخل الوجق إبراهيم الشريف تلك الفرصة لإزاحة جميع أفراد البيت المرادي وإعادة الحكم بعد استئصالهم بيد ممثلي الوجق التركي. اثر مقتل إبراهيم الشريف بايع أعيان مدينة تونس حسين بن علي حاكما على تونس، وهو مؤسس الدولة الحسينية، والذي فرض حكما وراثيا ويعتمد على الأهالي ويقلص نفوذ العسكريين الأتراك
العهد الحسيني
لمع نجم الكورغلي حسين بن علي في أوساط عسكر الدولة المراديّة، خلال العقد الأخير من القرن السابع عشر، بفضل خصال الحزم والشجاعة وحسن التدبير التي تحلّ بها. فقد ولد في جهة الكاف حوالي سنة 1675 م من ام كافية و اب ضابط انكشاري يدعى علي التركي من جزيرة كريت اليونانية. انخراط حسين بن علي في الجيش العثماني و اعتنق الإسلام وتدرّج في جند الديوان خلال العهد المرادي، إلى أن كلّف بقيادة حامية الكاف وتقلًد عدة مناصب عليا مثل رتبة خزنة دار و آغة صبايحيّة الترك. و في بداية صيف سنة 1705 م وقع إبراهيم الشّريف في أسر مصطفى عشي داي الجزائر، بعد معركة ضارية بجهة الكاف؛ و حال وصول النبأ إلى تونس، انعقد ديوان علمائها وعسكرها وأعيانها، وأجمعوا على تكليف قائد صبايحيّة الترك، الحسين بن علي بولاية الإيّالة لأنهّ كان في نظرهم الأقدر على تحمّل عبئها بنجاح. و بويع في المكان المعروف بديوان المدافعيّة أمام باب القصبة يوم الأحد 12 جويلية 1705م و هو التاريخ الفعلي لبداية الدولة الحسينيّة
غير أنّ الحروب العائلية التي عرفتها دولة الحسنيين في تونس في عهد علي باشا أدّت إلي غزو البلاد سنة 1756 م، ثم قيام وصاية علي تونس من طرف دايات الجزائر. ثم استعادت الدولة عافيتها أثناء عهد علي باي بن حسين ثم حمودة باشا بن علي فسميت هذه الفترة بالفترة الذهبية. ولكن سرعان ما أصبحت تونس تحت رحمة القوى الأوروبية وهو ما جعل أحمد باي ثم محمد الصادق بن حسين يحاولان القيام بإصلاحات على الطريقة الأوروبية
ومع بداية من سنة 1869م أصبحت الدول الأوروبية تتدخل مباشرة في تدبير الشؤون المالية وفي سنة 1881م بموجب معاهدة باردو، أصبحت تونس تحت الحماية الفرنسية وانتهى بذلك دور الأتراك في البلاد التونسية . و تأرجحت سياسة البايات الحسنيين بين الإملاءات الفرنسية ورغبتهم في دعم المطلب الشعبي والمتمثل في الاستقلال
واخيرا مع قيام الجمهورية سنة 1957م قام أول رئيس لتونس الحبيب بورقيبة بخلع آخر البايات الحسنيين الأمين باي بن محمد
الحبيب و وقع وضعه تحت الإقامة الجبرية إلى حّد وفاته. وبذلك كانت نهاية العرش الحسيني الذي حكم تونس لمدة ثلاثة قرون
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire